رواية لاجئة

في اليوم الأسود من أيام (أبو الأديب) حمل ابنته الصغيرة(سمية) طالبة المدرسة الابتدائية على ظهره يجر خلفه الزوجة، وتسبقه البنات الكبار وأزيز الرصاص لا يدع للسمع فرصة، يتهتك الأمان لحظة أكثر من لحظة، وتتحطم الذاكرة والذكريات مجانا مدرجة بحقد قاتم لم يبح بإنذار ولم يتعذر بسبب، والطيب صاحب الأرض لا يدري ما ولا كيف ولا من أين كل ما يجري، كل ما يرى الموت والدخان، الصراخ والموت، اختلط عليه كل ما أمامه، شياطين أم ملائكة ؟ صراخ أم زغاريد؟ لا يدري ولا يهم ، اليوم أصبح الهم والمهم سمية، وأم سمية، والبنات، وكل البنات اقتربت من الفك – التمساح – الضبع أصبح حقيقة بالنهار، لكن الله يمنح القوة، والحماية في البعد والهروب إلى الأمان.

وطلبت سمية من أبي الأديب التوقف، وقالت لقد نسيت حقيبة المدرسة، وطمأنها الصوت المتكسر المحطم، سنعود إن شاء الله ونأخذ الحقيبة.

وطلبت سمية من أبي الأديب التوقف، وقالت لقد بدا دوام المدرسة، من المفروض الآن، وطمئنها القلب المنهك، اليوم عطلة، مناسبة لا تنسى، لكن، سنعود وتفتح المدرسة.
وطلبت سمية من أبي الأديب التوقف، وسألت هل تدري بنات الحارة أن اليوم عطلة؟ وهل ستلحق بنا شيخه، ورقية، ونجية، واعتدال؟ هل سنلتقي؟ ويجيب بلا قدرة ولا صوت، سنلتقي إن شاء الله ونعود سويا.

ووصل الموكب إلى الأمان ،بيوت للأهل لم تصلهم عيون الغدر، ليأخذ أبو الأديب الإذن بالإقامة يوما أو أياما – حتى نعود – وكأننا بيوم القيامة ، فاليوم أصبح على ما يبدو بألف سنة.

وأدخلت سمية المدرسة الجديدة، لكن دون الحقيبة ودون بنات الحارة، وبقيت تحلم بالحقيبة وتتمنى أن تعود يوما واحدا لتأخذها ، ففيها الشهادة المدرسية، وفيها الواجب البيتي الذي لم تحل مسائله بعد.

وأصبحت الحقيبة حلما، وقصة سمية إلى الأولاد، ثم إلى الأحفاد، وإلى سمية الحفيدة، ثم أصبحت إرثا من تراث تناقله كل فلسطيني ، فقد ماتت سمية ولم تستعد حقيبتها، ولم يستطع لا أبو الأديب ولا سواه استعادتها، لكنها في القلوب.

هذه قصة كل فلسطيني، ترك البيت والمدرسة والحقيبة، وحملها في القلب، وان كانت دفنت معه في القبر، فقد عاهد الأحفاد أن تروى لكل من ينسى، وان تبقى كلمات أبي الأديب أغنية الأمل بالعودة –سنعود إن شاء الله-.