الجودة والاتقان في التعليم الجامعي
لخبراء الجودة عبارة تقول (الجودة الشاملة هي رؤية وفلسفة تؤمن بها المنظمة وتعمل على تطويرها واستمراريتها) والمعنى أن الجودة هي مبدأ فكري يبدأ من خلال الإيمان الكامل بجدوى التطبيق وتحقيق التكامل بين سائر المستويات التنظيمية للتوحد الثقافي ورفع مستوى الأداء، ولقد بدأ انتشار مفهوم الجودة في المنظمات التعليمية في الربع الأخير من القرن الماضي في المؤسسات التعليمية الأمريكية من الجامعات والمدارس ثم المعاهد المتخصصة، وظهرت هيئات متخصصة بجودة التعليم ووضعت شروطا ومواصفات قياسية لجودة بيئة العمل التعليمي المطلوب تحقيقه وتمنح الهيئة شعار الجودة بعد التأكد من أن الجهة المتقدمة تتوافر فيها شروط مبادئ وأسس الجودة.
إن الجودة عملية بنائية تهدف إلى تحسين المنتج النهائي وذلك من خلال تحسين ظروف العمل لكل العاملين في المؤسسة، وتركز على الجهود الإيجابية التي يبذلها كل شخص يعمل في المؤسسة، وعند الحديث عن الجودة في التعليم نعني بكل وضوح تحسين تحصيل درجات التلاميذ والارتقاء بمستواهم التحصيلي إلى أكبر قدر ممكن.
وفي زماننا هذا أصبح الإتقان والجودة مطلبين مهمين في سوق العمل وواقع الحياة وفي الأمور كلها وشواهد القرآن والسنة في الإتقان والجودة كثيرة، ولا بد من العمل على إظهارها وإظهار التوافق بين الجوانب الفكرية الحديثة والإسلام الذي ساد حضارة طويلة تميز فيها عن سواه.
وتداول الناس منذ القدم مفهوم الجودة بأشكال مختلفة، وكان مفهوم الجودة في الإسلام مشتقا من الإيمان بالثواب والعقاب، ومن القصص التي توحي إلى اهتمام المسلمين بذلك ان رجلا أتى إلى خياط ليخيط له ثوبا ، فاجتهد الخياط لتكون الخياطة جيدة ومتقنة، ولما جاء صاحب الثوب أعطاه الأجرة، فأخذ الثوب وذهب، وفي اليوم التالي عاد الرجل وأتى الخياط وقال له: وجدت في الخياطة بعض العيوب و أراه إياها، فبكى الخياط، فقال له الرجل: ما قصدت أن أحزنك وأنا راض، بالثوب، فقال له الخياط: لست ابكي لهذا ، لأني عملت جهدي لأتقن لك الخياطة، ثم خرجت هذه العيوب، فانا أبكي على طاعتي لربي، وقد اجتهدت بها عمري، فكم فيها من العيوب.
فالقصة الماضية تلهمنا حرص المسلمين على إتقان عملهم مرضاة لله وخوفا من عذابه.
ويقوم نظام الجودة الشاملة على مشاركة جميع أعضاء المنظمة ويستهدف النجاح طويل المدى، وتحقيق منافع للعاملين في المنظمة وللمجتمع وسميت بالشاملة لأن المسئولية تشمل جميع فريق العمل كل فرد في حدود مجال عمله وصلاحياته، بالإضافة إلى أن الجودة تشمل جميع مجالات العمل وعناصره صغيرها وكبـيرها .
وفي مجال التعليم العالي فإن الأخذ بمفهوم الجودة لا يزال حديثاً، فحتى عام 1993م لم يزد عدد المؤسسات التعليمية الآخذة به على 220 كلية وجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا العدد آخذ بالزيادة الآن.
والجودة في التعليم عملية توثيق للبرامج والإجراءات وتطبيق للأنظمة واللوائح والتوجيهات، تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في عملية التربية والتعليم والارتقاء بمستوى الطلاب في جميع الجوانب العقلية والجسمية والنفسية والروحية والاجتماعية، ولا يتحقق ذلك إلا بإتقان الأعمال وحسن إدارتها.
وتعتبر الجودة أحد أهم الوسائل والأساليب لتحسين نوعية التعليم والارتقاء بمستوى أدائه في العصر الحاضر الذي يطلق عليه بعض المفكرين بأنه “عصر الجودة ”، فلم تعد الجودة ترفاً ترنو إليه المؤسسات التعليمية أو بديلاً تأخذ به أو تتركه الأنظمة التعليمية ” بل أصبح ضرورة ملحة تمليها حركة الحياة المعاصرة ، وهي دليل على بقاء الروح وروح البقاء لدى المنظمة أو المؤسسة التعليمية ” .
(هذه الورقة مشتقة من ورقة عمل للدكتور يحيى ندى بعنوان -الجودة والإتقان في التربية الإسلامية- في مؤتمر الجودة والتميز والاعتماد في مؤسسات التعليم العالي بتاريخ 25-26-2007 في جامعة القدس.)